قصيدة بقلم الشاعر هاشم الرفاعي قبيل اعدامه عن عمر ناهز أربعا وعشرين سنة، رحمه الله
أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني ..... والحبلُ والجلادُ ينتظراني
هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ ..... مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ
لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها ..... وأُحِسُّ أنَّ ظـلامَها أكفاني
سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في ..... هـذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ ..... والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي ..... في بِضْـعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ ..... دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني
قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ ..... إلاَّ أخيراً لـذَّةَ الإيمـانِ
والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ ..... عَبَثَتْ بِهِـنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ
مـا بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها ..... يرنو إليَّ بمقلتيْ شيــطانِ
مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ ..... وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ
أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ ..... ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني
هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي ..... لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ
لكنَّهُ إِنْ نـامَ عَنِّي لَحظةً ..... ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ
فلَـرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً ..... لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني
أوْ عادَ-مَنْ يدري- إلى أولادِهِ ..... يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني
وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها ..... معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ
قَدْ طـالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً ..... في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ
فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً ..... ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ
نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو ..... كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني
وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي ..... بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟
أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى ..... مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟
ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما ..... غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟
هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً ..... ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ
وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِـهِ ..... سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ
وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ ..... مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني
وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ ..... شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ
هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ ..... بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ
أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ ..... وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ
أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ ..... سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ ..... قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني
دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ ..... وَدَمُ الشَّـهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ
حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا ..... لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ
ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا ..... بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ
إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى ..... أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ
وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ ..... سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّـوفانِ
فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً ..... أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ
أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي ..... أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟
أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا ..... مُتآمِراً أَمْ هَـادِمَ الأَوْثـانِ؟
كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي ..... كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني
لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً ..... غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني
أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا ..... إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ
فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي ..... يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني
أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى ..... وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ
وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ ..... يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ
وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَـرَّةً ..... تَجْـري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ
وَأتـى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا ..... سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ
وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً ..... في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ
لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما ..... صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ
نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً ..... وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ
أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلى ..... بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ
أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً ..... في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ
إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ ..... قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ
فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا ..... قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ
وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى ..... تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها ..... أَلَمَاً تُوارِيهِ عَـنِ الجِيرانِ
فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني ..... لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها ..... وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ
أَبُنَيَّ : إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً ..... لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ
فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ ..... بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني
كـانَتْ لهـا أُمْنِيَةً رَيَّـانَةً ..... يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني
وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ ..... سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ
هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي ..... بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ
لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ ..... بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ
فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي ..... مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ
وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ ..... قُدْسِيَّةِ الأَحْـكامِ والمِيزانِ
8 commentaires:
♥ كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي ..... كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني ♥
TROP FORT J'ADORE
zèyed m3ak 7asilou! ena men kol el 9assida malfet intibèhi ken elbait hèdha. soub7an Allah :)
Mar7ba bik, charraftna fi moudawnet el karawen :)
w bik merci :) à moi l'honneur, maw c toi le meme karawen ke je viens d'ajouter ? :D jpense pas k'il en existe deux en tout cas hhhh
2 karawens? 3lech w5aiti? houwa se3at schizo mais... wella n9ollek: awka fil avatar zouz: elli 3al ysar yetbouled fel FB welli 3al ymin y5arbech houni fil blog :)
hhhh je pense ke dans la photo c'est un Karawen et une Karawena, el karawen yetbouled wel karawena ton9och houni :)
sadda9ni 7allit l'avatar bech nthabbet... amma tbarkallah tu lis presque dans les pensées :D
:p I'm a medium
smillah le3dhim era7men erra7im... aya taw 3awdh infos personnels ndour na3mel 7erz fil blog mte3i... :)
Enregistrer un commentaire